رأيي الشخصي في قضية مجتمعنا المعاصر خلال قصة طفل

سأقوم برواية بعض أيام في حياة طفل
اخترت له اسم ( علي ) وسمحت لنفسي بتسمية الأيام منفردة بعلامات استفهام
ستفهم مكنونها بعد قراءة كل يوم من أيامه .


بسم الله الرحمن الرحيم


اليوم الأول ( مــــــــن )
خرج علي إلي مدرسته الإعدادية متنفسا الهواء العليل النقي من عوادم
السيارات بادئا حياة جديدة في يوم جديد بقلب جديد خالي من مشاعر البارحة وعقل ملئ
بأفكار مبهمة ليوم غامض مع اعتقاد ورجاء بأن يصبح أجمل من البارحة .
نزل علي علي الدرج ذاهبا لمدرسته فرأي رجلا أعمي يحاول أن يعبر الطريق
فساعده وأستقل الحافلة مستكملا رحلته لمدرسته وهو في قمة السعادة لأنه ساعد أحدهم
، وقفت الحافلة وها هي المدرسة فسعي إليها محاولا تجنب الطلبة الأكبر سنا لأنه تم
الاعتداء عليه بالضرب منهم في السابق دون سبب وجيه ، سعي إلي الطابور متخذا مكانا
بين أترابه محاولا تجنب المشاكسين منهم ، تمت تحية العلم واستمع إلي صحافة
الصباح محاولا بجهد أن يفهم كل هذا العناء ، فقبل أن يأتي إلي المدرسة قام أحدهم
بشراء الصحف واختار بعض من الأخبار وقصها عليهم ولم يفكر أسنفهم ما يقص علينا ؟!
حسنا دعنا من هذه الأقصوصة .
صعد التلاميذ إلي فصولهم ، دخل المدرس فشرح بعضا من علوم الأحياء ثم المدرسة تشرح
بعضا من اللغة الإنجليزية ...ثم .....ثم .....
فتعجب علي أينتظروا منا فهم هذا الكم في هذا الوقت ؟!! أين اللعب وأين
المرح ؟!!! فجاء صوت الجرس ليعلن فترة من الراحة فذهب كما يفعل زملائه لمكان يباع
فيه ما لذ وطال من الحلوى والمأكولات داخل المدرسة وأكل وشرب وإلي الفصل
ثانيةً....ولكن... لم يذهب علي إلي الفصل بل ظل ساكنا محملقا كتمثال ملك
نساه الثوريون في حمله تمردهم ...أخذ يفكر بصوت خفيض .. أعتقد أني أستحق أفضل من
هذا .
أعتقد أني أستحق بعض اللعب والمرح ، بعض التساؤلات عن هواياتي و... ماذا لو أني
أحد العباقرة فكيف يتسنى لهم أن يعرفوني ؟ ماذا لو أني لست منهم فمن يعطيني الفرصة
كي أكون أحدهم ؟إنني أحس باختلاف عمن حولي ، أحس أني ....
استيقظ علي ألم شديد في ساقه إثر ضربة عصا ضربه بها أحد المدرسين كي يذهب
إلي فصله.
لم يبك علي ولكنه وجه نظرة كراهية وانتقام لهذا المدرس فقد صب عليه علي ذنب
كل من قصروا في حقه وتسأل ( هل تمعني حتى من مجرد الاختلاء بنفسي ؟!!!!!!! )
صعد علي إلي فصله فعاقبه المدرس ثانياً لتأخيره علي الفصل .ولم هناك مساحة
داخل صدر الطفل كي يستجب لما يقوله المدرس من شروحات ويفهمها .
أنتهي اليوم الدراسي فعاد علي إلي بيته وقص علي والدته ما حدث فعاقبته علي
عدم طاعته لمدرسيه ثم دخل فتناول غدائه وذهب لينام .
تعليق : - أحس علي أن ما يحدث مؤامرة ضده من حزب ( الكبار ) ولم يفهم (
لصغر سنه ) أن هذا كله لمصلحته الشخصية فمدرسيه يحبوه وأمه تحبه والعالم يريده أن
يحسن صنعا ليفخروا به ولكن...هنا تكمن الكارثة فلا يوجد تواصل بين علي
والعالم فالحلقة مفقودة....هنا يتراكم الجبن والكراهية داخل علي لمن حوله
هنا يخسر العالم علي بعد أن كانوا يعدوه ليصبح أحسنهم.
سؤال : من المخطئ هنا ؟!! مــــــــــن

كيـــــــــــــــف


اليوم الثاني





ها هو يوم جديد من أيام
تلميذ من المفترض أن يكون تلميذا نجيبا ولكن ها نحن نشاهده ينموا يوما بعد يوم
منتظرين نهاية ما سيحدث في هذه القصة ، قام علي من سريره فرأي شعاع شمس
جديد يطل عليه من النافذة فابتسم متحدثا لنفسه متمنيا أن يكون يوما جميلا ليس كأمس
، ارتدي ملابسه كالعادة ، تناول إفطاره وودع أمه وذهب إلي المدرسة ولكنه أحس أن هذا اليوم بالفعل سيكون مختلفا
ليس كباقي الأيام حاول جاهدا أن يعرف سببا
واضحا لهذا الإحساس ولكنه لم يستطع فترك الأمر برمته للزمن كي يقول كلمته .


كالعادة دخل مدرسته متحاشيا الطلبة ضخام الجثة
والزملاء المشاكسين تمت تحية العلم و ..... و .................


عندما سمع أحدهم يردد الصحافة في إذاعة المدرسة
خرج علي عن الطابور وذهب إلي الإذاعة متسائلا عن معني ( ذهاب وزير الخارجية
إلي الهند ) أمعني هذا أنه سيبقي هناك ؟!! أهو خائن ؟!!


ضحك الأساتذة وسخروا منه و هاج التلاميذ وانعدم النظام فأخذ
أحد المدرسين بعلي وضربه بضع ضربات علي يديه وزج به إلي الطابور واستكملوا الصحافة
وصعد التلاميذ إلي فصولهم وبدأ يوم دراسي ممل وأخذ المدرسين يتوافدون علي فصل علي
ليسخروا من هذا الصبي المعتوه ثم دق الجرس
ولم ينزل علي إلي الساحة ذلك اليوم وإنما انتظر في الفصل يبكي بصوت خفيض ،
فكر علي متسائلا ( أأخطأت بسؤالي ؟!! ) .


انتهت فترة الراحة ورجع زملائه إلي الفصل
فلاحظوا وجود علي فضحك بعضهم وسخر البعض وتعاطف الباقي معه ، من هنا أحب علي
العزلة وكره المجتمع برمته .


سمع علي أن هناك شخص يحب التلاميذ
ويشجعهم هو الأخصائي الاجتماعي فذهب إليه ، لم يعرف ماذا يقول ولكنه شعر بأن هذا
الرجل يستطيع المساعدة ، سأل عن هذا الرجل فقيل له أنه في الفناء .


ذهب إلي الفناء فوجد الأخصائي الاجتماعي جالسا
يحتسي الشاي مع بعض المدرسات تحت أشعة الشمس فشعر علي بالحرج ورجع إلي الفصل
بصحبة خيبة الأمل .


تعليق :-


في ذهن علي أفكار طفلة تحبو
تريد أن تكبر وتنمو حتى تصبح عبقرية شابة ولكنه لا يعرف كيف يخرجها بالنسبة لعلي
فإنه مسجون بين أسوار البيت والمدرسة ولا يعرف شيئا سوي أنه يملك شيئا في عقله
وشيئا جميلا يجب أن يراه الناس ولكنه مسجون لا يقدر علي التنفس .


السؤال :-


كيف
تتنفس هذه الأفكار ؟!!!


كيف
تعطيها مقومات النجاح ؟!!


كيـــــــــــــــــــــف............
كيـــــــــــــــــــــف ؟!!!!!!


انتهي يوم آخر من حياة علي .

اليوم
الثالث


بدايـــــة





كان ذلك في يوم جمعه استيقظ
علي متأخرا مستمعا بكسله في سعادة
لان هذا يوم الإجازة سيستريح من عناء الذهاب لمدرسته و المشاكل اليومية التي تحدث
طوال اليوم الدراسي قام ذاهبا إلي المطبخ ليساعد والدته في عمل الفطور وأيقظ إخوته
و جلس الجميع إلي المائدة متناولين إفطارهم ونظر علي إلي عائلته في سعادة
غامرة وتمني أن تصير كل أيام الأسبوع جمعه ، أنهي الجميع إفطارهم وذهب كل منهم
لحاله فمنهم من ذهب لأصدقائه و منهم من ذهب ليكمل نومه والآخرون يشاهدون التلفاز
هنا أحس علي أنه وحيد ثانيا ، قام علي يبحث في أغراضه القديمة فوجد بعض
قطع خشبية فأحضر بعض المسامير وصنع رفا لكتبه ثم قام بصنع علبة لأقلامه وهكذا قضي
يومه في ابتكار أشياء جميلة من نفايات قديمة جاء وقت الغداء وتجمعت العائلة من
جديد ولكن فقد علي الإحساس بالسعادة فقد أحس بأنها سعادة مؤقتة لا تستحق عناء
الشعور بخيبة الأمل بعد زوالها انتهت العائلة من الغداء فنام الجميع إلا علي
بقي مستيقظا متأملا السماء الصافية حتى استيقظت العائلة مرة أخري بعد ساعتين
فشربوا الشاي وظلوا يشاهدون مسلسلا في التلفاز حتى جاء وقت النوم . قضي اليوم ولم
يحس علي بما كان يأمل ، قرر علي أن البقاء وحيدا ليس عقاب ولكنه أفضل
من الجلوس مع من لا يشاركه أفكاره وأحاسيسه وكانت هذه بداية العزلة الداخلية
المطلقة و التي سيعيشها علي حتى يجد من ينتشله منها .

اليوم
الرابع


نهاية





هذه هي نهاية طفل يدعي علي
ليست بشخصية حقيقية ولكن هذه الشخصية واقعية أكثر من غيرها هكذا انتهي طفل في عمر الثالثة
عشر وبدأ يعيش شيخ هًرِم في سن يناهز السبعين ،شيخ ، وحيد ، يائس ، بائس لا يقدر
علي مساعدة نفسه .


كانت هذه الأقصوصة القصيرة نهاية بداية طفل و
بداية موت إنسان عاش علي بعد ذلك كمومياء جسدا بلا روح ، قلبا يضخ دما خالي
من مشاعر الحب والأمل .


أدرك أن النجاح يعتمد علي الحفظ والاستذكار
ففعل ونجح ولكن بداخله كان يعلم أنه فشل في إيجاد وسيلة يعبر بها عن ذاته .


بلغ علي العشرين من عمره بلا أصدقاء بلا
تجارب عاطفية بلا مذهب فكري محدد ولكنه ناجح في نظر الناس من حوله .


كان معروفا بانعزاله عن الناس و قد أضفت هذه
العزلة غموضا وجاذبية مما جذب الناس له ولكن بعد فوات الأوان وقد اعتبر هذا التودد
تطفلا وكره وجود غيره معه .


دخل علي الجامعة ويعتبرها الناس معقل الاختلاط
و التغيير و الحب والرومانسية ولكن كان لعلي رأي آخر فقد دفن حبه وكرهه في
كتبه وأنهي دراسته كما لو أنه يدرس وحده بالجامعة ، والآن بعد أن صار علي
رجلا يستعد كي يصنع مثلما فعل والده وعمه وخاله وأبيه آدم .


كان يستعد للعمل والزواج بإحداهن لإنجاب آخرون .وجد
علي وظيفة مناسبة وساعدته والدته في اختيار عروس من أقاربه وساعده والده في
تجهيز شقته وحفل زفافه وتزوج علي .


عاش علي سعيدا أو بمعني أصدق متظاهرا
بالسعادة لأنه ما من أحد يحس بمشاعره أو يفهمها ويحترمها وتناسي معني كونه علي
من العلو و الرفعة عكس موقفه الحالي وهو اليائس المستسلم .

مشهد معاد


اليوم
الأخير





عاد علي من عمله
شاعرا بإرهاق شديد إثر المواصلات والمجهود المضني حتى عاد إلي منزله قابل زوجته
ملقيا عليها التحية وشعر بشئ من الغرابة في أسلوبها فهي في قمة السعادة وقامت
باحتضانه فتسأل ماذا حدث ، أخبرته أنها حامل في علي الصغير ففرح علي و كاد
يطير فرحا وهنأ زوجته وتركها وتناولوا طعامهم وذهبوا ليستريحوا قليلا ولم ينم علي
هذا اليوم .أخذ يفكر في العبارة التي قالتها زوجته ( سنرزق بعلي الصغير )


يا للهول أسيتكرر هذا المشهد الأليم ثانيا ننجب
طفلا ليصبح مومياء مثلي في يوم من الأيام .


لا....لا
وألف لا ولكن............. ماذا
أفعل ؟!


لا اعلم.


بمفهوم العامة من الناس لن تشكل مشكلتي كارثة
حقيقية بل سيهزؤا مني .ماذا أفعل ؟!!


أترك زوجتي ؟!!! أجهض أبني ؟!!!! ماذا أفعل
؟!!!!


ويلي من حيرتي.


إذا تجاهلت هذا سأتعذب عذابين ، عذابي كأب
وعذاب ابني لأني أفهم ما سيحدث له وما سيحس به .


ربما تكون هذه نهاية جيدة لقصتنا المملة ولكنها
نهاية مؤلمة لإنسان محطم وأشرة جوفاء


إنها مثل واقعي للطبقة المتوسطة من الشعب
المصري و التي علي حافة الاختفاء .


في انتظار تعليقاتكم.....